لم تعد مباريات كرة القدم داخل القاعة (الفوتسال) تحافظ على طابعها السريع الذي يميزها عن باقي الرياضات الجماعية. فالشوط الواحد المحدد في عشرين دقيقة زمنية، يتحول في الواقع إلى زمن مفتوح بفعل تقنية توقيف الكرونو، لتتجاوز المدة الفعلية للمباراة أحيانًا ساعتين ونصف من اللعب والإرهاق التنظيمي والأمني.
هذه المفارقة الزمنية لم تعد خفية على أحد. كل من يواكب تنظيم مباريات الفوتسال في القاعات الرياضية يدرك حجم المعاناة: لاعبون يفقدون تركيزهم بسبب التوقفات المتكررة، حكام منهكون من إدارة الوقت المجمّد، وأطقم أمنية وتنظيمية تظل في حالة استنفار متواصل حتى نهاية المباراة، التي كان يُفترض ألا تتجاوز ساعة من الزمن.
تقنية توقيف الكرونو التي كان يُفترض أن تضمن العدالة الزمنية في المباريات، تحولت في الواقع إلى عبء قاتل على إيقاع اللعبة. فكل خطأ بسيط، أو رمية تماس، أو نقاش بين الحكم واللاعبين، يؤدي إلى تجميد العد الزمني، مما يجعل المباراة النظرية ذات الأربعين دقيقة تمتد فعليًا لما يقارب ثلاث ساعات، أي أطول من مباراة كرة قدم ميدانية كاملة. وهكذا، تفقد اللعبة روحها وسرعتها، ويصبح الجمهور أمام عرض متقطع الإيقاع، تقتل فيه الصفارات المتكررة متعة المشاهدة.
لكن الإشكال لا يتوقف عند الجانب الرياضي، بل يتجاوز ذلك إلى البعد الأمني والتنظيمي.
فالعناصر الأمنية تُكلّف بتأمين المباريات قبل انطلاقها بوقت طويل، وتظل في حالة يقظة حتى مغادرة آخر متفرج، ومع كل دقيقة إضافية بسبب الكرونو الموقوف، تتزايد الضغوط الميدانية واللوجستية دون مبرر. وهكذا تتحول مباراة داخل القاعة إلى مهمة أمنية شاقة تستنزف الموارد البشرية والطاقة التنظيمية.
الواقع اليوم يفرض طرح سؤال جوهري: هل ما زال توقيف الكرونو يخدم الفوتسال، أم أنه أصبح عبئًا على الرياضة نفسها؟
فبينما تتسابق الرياضات الحديثة نحو السرعة والدينامية، ما تزال مباريات الفوتسال تُدار بمنطق بطيء ومتقطع يفقدها جاذبيتها.
من هنا، يبرز مقترح إصلاحي بسيط وواضح:
اعتماد شوطين من ثلاثين دقيقة زمنية مستمرة دون توقيف الكرونو، مع احتساب الوقت الضائع وفق تقدير الحكم، كما هو معمول به في كرة القدم الميدانية.
بهذا النظام، تُستعاد الروح التكتيكية والإيقاع الطبيعي للعبة، ويُمنح المدربون واللاعبون فرصة حقيقية لتدبير الوقت ضمن مجريات المنافسة، دون تقطيع متكرر يقتل الإبداع والمتعة. كما سيُسهم هذا المقترح في تخفيف الضغط على الأجهزة الأمنية والمنظمة التي تعاني من تمدد زمني غير مبرر.
لقد آن الأوان، كما يقول العديد من المراقبين، لإعادة الفوتسال إلى طبيعته الأصلية كرياضة سريعة وممتعة تعتمد الإيقاع والحركة المتواصلة. فليس من المنطقي أن تستمر مباراة داخل القاعة أطول من مباراة كرة قدم تقليدية تُقام في ملعب مفتوح.
إن الفيفا والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم مدعوتان اليوم إلى التفكير بجرأة في واقع الممارسة قبل النصوص، وفي ما يجري داخل القاعات قبل ما يُكتب في الكتيبات. فالميدان هو الحكم الحقيقي، والواقع لا يُصلحه إلا قرار شجاع يعيد اللعبة إلى منطقها الطبيعي.
الاقتراح إذًا في جوهره ليس ثورة على القوانين، بل تصحيح لمسارها:
شوطان من ثلاثين دقيقة زمنية متواصلة، الحكم يقدّر الوقت الضائع، دون الحاجة لتقنية توقيف الكرونو في كل رمية أو خطأ بسيط.
وبهذا الشكل، يمكن للفوتسال أن يستعيد توازنه بين التقنية والمتعة، وتسترجع اللعبة مكانتها كرياضة سريعة، واقعية، تحترم الزمن وممارسيها، وتخفف في الوقت نفسه من الأعباء الأمنية والتنظيمية التي أصبحت ترافق كل مباراة بشكل غير مبرر.
فالرياضة التي تفقد سرعتها، تفقد جمهورها، واللعبة التي تفقد توازنها، تفقد معناها.






























