نادية الصبار – هسوس
تفاعلا مع مضامين الخطاب الملكي المولوي السامي الذي دعا فيه جلالة الملك محمد السادس إلى إدخال تعديلات على المدونة التي مر على إقرارها 19 سنة (خطاب العرش 30 يوليوز 2022).
ومواكبة للنقاش البرلماني والعمومي حول التعديلات المرتقبة لمدونة الأسرة، نظم الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية بتنسيق مع منظمة النساء الإتحاديات وجمعية حقوق وعدالة وإئتلاف دنيا لمنع تزويج الطفلات، وبحضور سفير مملكة النرويج وممثلة السفارة الدنماركية وممثلين عن وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، وكذا المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يوما دراسيا حول مراجعة شاملة لمدونة الأسرة: حول تعزيز الحقوق والمساواة في المجتمع، وذلك برحاب القاعة 11 بمجلس النواب يوم 03 ماي 2022.
وجاء اليوم الدراسي في إطار تدارس اهم الإشكالات التي طرحتها مدونة الأسرة في صيغتها الحالية، للوقوف عند الاختلالات التي تمت معاينتها أثناء هذا التراكم، وذلك للتقدم بمقترحات وتوصيات تهم تعديل مدونة الأسرة لجعلها أكثر إنصافا لكافة أفراد المجتمع وفي مقدمتها النساء والأبناء (أرضية الندوة ).
أطر اليوم الدراسي ثلة من الأساتذة والمحامون والحقوقيون والنشطاء، يوم؛ افتتحته الأستاذة المناضلة حنان رحاب رئيسة منظمة النساء الإتحاديات، والتي أثنت خلال كلمتها على الحضور الكريم الذي تراهن عليه في إطار سلسلة الفعاليات التي تنظمها منظمة النساء الإتحاديات من أجل تحيين مدونة الأسرة بما يحقق مقاصد الإنصاف والمساواة والعدالة كلبنة أساس في معركة المساواة الشاملة في الحقوق والواجبات.
وأكدت حنان رحاب في كلمتها على أن إقرار مدونة الأسرة كان ولا زال بمثابة ثورة والتصويت عليها بالإجماع ومن طرف مختلف الحساسيات السياسية والإيديولوجية؛ لهو تعبير عن الذكاء المغربي في المنعطفات الحاسمة.
وأشارت على أن ما وقع لاحقا، والذي وصفته بمقاومات للإصلاح والتحديث والمساواة، لا توجد على مستوى الدولة، بقدر ماهي متغلغلة في بنيات مجتمعية تستبطن عقليات ماضوية، وهي بنيات للأسف تجد لها مواطن في بعض المؤسسات الرسمية، بنيات لا تنطلق من روح النصوص ومقاصدها، سواء بالنص الدستوري أو القوانين التنظيمية أو القانون الجنائي أو مدونة الأسرة، وغيرها من المدونات القانونية، بل تنطلق من قراءات رجعية لهذه القوانين القائمة على تأويلات ذكورية، ليست إلا.
وفي نفس السياق، شددت رحاب على أن هذه (العقليات ) عرفت كيف تستثمر جيدا في الفراغات التي تتضمنها مدونة الأسرة الحالية، وغيرها من القوانين، وهي فراغات تسمح بتأويلات متناقضة أحيانا، قضية “إثبات النسب” نموذجا والتي تحتمل أكثر من قراءة، إما حداثية أو على النقيض من ذلك تقليدانية.
واستطردت أن جلالة الملك أيده الله بنصره المبين، قد أبان عن انحياز إيجابي لحقوق النساء والأطفال منذ توليه العرش، مما”يشكل بالنسبة لنا كنساء تقدميات دعما وسندا لنا في سعينا من أجل مغرب المساواة والإنصاف لكل فئات المجتمع وطبقاته”، حسب رحاب.
مشددة على أن الدعم المولوي الملكي السامي يتطلب قيام التنظيمات الحزبية والمدنية والحقوقية والنسائية بأدوارها في تحصين المكتسبات القائمة، وفي تطوير وتغيير المدونات القانونية بما يحقق طموح المجتمع الحداثي الديموقراطي والدولة الاجتماعية القوية.
ثم تناول الكلمة السيد عبد الرحيم شهيد رئيس الفريق الإشتراكي – المعارضة الإتحادية بمجلس النواب، والذي اعتبر اليوم الدراسي يندرج ضمن مساهمة الفريق النيابي في توسيع دائرة النقاش العمومي الذي يثار حول جميع القضايا التي تهم المجتمع المغربي، وإنضاج النقاش حول آلية مهمة من آليات تعزيز الحقوق والمساواة بالمجتمع المغربي، وهي مدونة الأسرة التي يعتقد الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية أنها في حاجة إلى مراجعة شاملة تضمن حماية الأسرة المغربية من خلال حماية حقوق جميع مكوناتها.
بل وشدد على أن مطلب المراجعة الشاملة لأحكام مدونة الأسرة، إنما يدخل في إطار تعزيز موقع المرأة المغربية باعتبارها فاعلا محوريا في البناء الديمقراطي وطرفا أساسيا في عملية تحقيق التنمية وتقدم المجتمع.
بل؛ حسب شهيد، فمطلب المراجعة الشاملة يتعلق بأحد أهم المؤسسات الاجتماعية، وبالخلية الأساسية للمجتمع المغربي طبقا للمادة 32 من الدستور، أي بتنظيم الأسرة المغربية، التي عملت الدولة المغربية ومنذ فجر الاستقلال على تنظيمها وتأطيرها وحمايتها، في تفاعل دائم ومستمر مع التحولات التي عرفها المجتمع المغربي، من خلال العديد من النصوص القانونية التي تعتبر مدونة الأسرة آخره.
هذا وأشار شهيد في معرض حديثه للمنعطف الذي عرفه مسار تنظيم العلاقات بين مكونات الأسرة المغربية منذ إصدار مدونة الأحوال الشخصية سنة 1957، الذي بقي ساريا إلى أن تم تعديلها سنة 1993، فإقرار مدونة الأسرة الحالية سنة 2004، واليوم يؤكد عبد الرحيم شهيد على أنه باسم فريقه، “نريدها مراجعة شاملة”.
مؤكدا أن هذه المراجعة الشاملة لأحكام مدونة الأسرة، ستكون بمثابة لبنة في مسلسل البناء الديمقراطي الذي انخرط فيه المغرب منذ حكومة التناوب التوافقي، ومسلسل تعزيز موقع المغرب من داخل المنتظم الدولي، وذلك عبر تكريس مبدأ المساواة واحترام بنود الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب والمهتمة بتقوية مكانة المرأة داخل المجتمع.
مضيفا أن مدونة الأسرة الحالية، اي نعم، شكلت قطيعة مع مقتضيات مدونة الأحوال الشخصية، حيث تضمنت العديد من المقتضيات التي أنصفت المرأة المغربية، من خلال تعديل وتفصيل وإدراج العديد من الأحكام، التي شكلت وبكل موضوعية ثورة حقيقية حينها، إلا أن المتغيرات التي عرفها المجتمع المغربي بعد مرور 19 سنة على إقرارها، أبان عن القصور الذي شابها، اضف، حسب شهيد دائما، محدودية الاجتهادات القضائية مع غلبة الطابع المحافظ دون الانحياز للحداثة ومسايرة روح العصر، بل كشفت الممارسة عن كثير من المطبات والزلل وتناقض الأحكام في قضايا متماثلة، مما بات لزاما معه؛ مراجعة مدونة الأسرة مراجعة شاملة.
هذا وشدد شهيد في ختام معرض كلمته على أن اليوم الدراسي بنثابة فرصة أمام فريقه النيابي للاطلاع على أهم الاختلالات التي تعرفها مدونة الأسرة، حتى يتمكن من موقع فريقه كتعبير سياسي شرعي عن الصف الديمقراطي والحداثي داخل مجلس النواب، في الدفاع عن النفس الحداثي والتقدمي في المراجعة التي ستعرفها مدونة الأسرة.
وأما السيد مراد فوزي رئيس جمعية حقوق وعدالة؛ فقد اعتبر النقاش شأنه شأن كل القضايا العادلة، منعطف حاسم من أجل تعديل عادل برؤية شمولية على اعتبار ان جمعية “حقوق وعدالة” التي يراسها؛ تشتغل عن قرب مع الفئات الهشة والمكلومة من خلال مركز الاستماع بالعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، والذي يستقبل من خلاله عددا لا يستهان به من ضحايا العنف والتمييز في إطار برنامج “التمكين الاقتصادي للمرأة والمساعدة القضائية المجانية لصالح النساء” وكذا برنامج “محاربة تزويج الطفلات بالمغرب”.
واشار مراد فوزي على انه قد سبق للجمعية أن أعدت سنة 2016 دراسات بشأن عدد من المقتضيات التمييزية في حق المرأة بمدونة الأسرة، وبادرت إلى نشرها وتنظيم ندوات بشأنها، وهي المتعلقة أساسا بالولاية والحضانة والتعدد وتزويج الطفلات وتدبير الأموال المشتركة خلال الحياة الزوجية، كما شاركت في إعداد ندوات بشأن إشكالية الإجهاض الآمن.
كما اعتبر مراد فوزي انخراطه في هذا الورش ينبع من إيمانه بتكريس مبدأ المساواة بين المرأة والرجل كسبيل نحو تحقيق أهداف مدونة الأسرة، وهو أيضا ترجمة لانتظارات المواطنين والمواطنات.
وهو كذلك، يقول فوزي، نقاش قديم جديد احتدم بعد إقرار دستور 2011 لمبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة، والمراجعة باتت ضرورة ملحة ويجب أن تكون نصا ومبنى، عبر خلق آليات قانونية من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال على جميع المستويات، كل ذلك من أجل تمكين اقتصادي حقيقي للمرأة.
كما شدد على أن هذا التغيير الذي تنشده جمعية حقوق وعدالة لن يتحقق إلا بملاءمة تلك التشريعات للدستور والاتفاقيات الدولية المصادق عليها.